فصل: 1650 - مسألة‏: الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى ‏:‏ هِبَةٌ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ ‏,‏ يَمْلِكُهَا الْمُعْمِرُ وَالْمُرْقِبُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


العمرى والرقبى

1650 - مسألة‏:

الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى ‏:‏ هِبَةٌ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ ‏,‏ يَمْلِكُهَا الْمُعْمِرُ وَالْمُرْقِبُ ‏,‏ كَسَائِرِ مَالِهِ ‏,‏ يَبِيعُهَا إنْ شَاءَ ‏,‏ وَتُورَثُ عَنْهُ ‏,‏ وَلاَ تَرْجِعُ إلَى الْمُعْمَرِ ، وَلاَ إلَى وَرَثَتِهِ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَشَرْطُهُ لِذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ‏.‏ وَالْعُمْرَى هِيَ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ هَذِهِ الدَّارُ ‏,‏ وَهَذِهِ الأَرْضُ ‏,‏ أَوْ هَذَا الشَّيْءُ عُمْرَى لَك ‏,‏ أَوْ قَدْ أَعْمَرْتُكَ إيَّاهَا ‏,‏ أَوْ هِيَ لَك عُمْرُك أَوْ قَالَ ‏:‏ حَيَاتُك ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ رُقْبَى لَك ‏,‏ أَوْ قَدْ أَرْقَبْتُكهَا كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَحْمَدَ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِمْ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا ‏;‏

وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ الْعُمْرَى بَتَاتٌ ‏,‏ وَمِنْ خُيِّرَ فَقَدْ طَلَّقَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ ‏:‏ الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ أَعْطَى ابْنًا لَهُ بَعِيرًا حَيَاتَهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ هُوَ لَهُ حَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ الْعُمْرَى ‏,‏ وَالرُّقْبَى سَوَاءٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شُعْبَةُ ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ الْعُمْرَى ‏,‏ وَالرُّقْبَى سَوَاءٌ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ‏:‏ مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَبَدًا وَعَنْ شُرَيْحٍ ‏,‏ وَقَتَادَةَ ‏,‏ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ ‏,‏ وطَاوُوس ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا هُشَيْمٌ نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ ‏:‏ سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَمَّنْ أَسْكَنَ آخَرَ دَارًا حَيَاتَهُ فَمَاتَ الْمُسْكِنُ وَالْمُسْكَنُ قَالَ ‏:‏ تَرْجِعُ إلَى وَرَثَةِ الْمُسْكِنِ فَقُلْت ‏:‏ أَلَيْسَ يُقَالُ ‏:‏ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ ‏:‏ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعُمْرَى

وَأَمَّا السُّكْنَى وَالْغَلَّةُ ‏,‏ وَالْخِدْمَةُ ‏,‏ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ ‏,‏ وَوَكِيعٍ ‏;‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ عَطَاءً ‏,‏ وَالزُّهْرِيَّ قَالاَ ‏:‏ إنْ جَعَلَ الْعُمْرَى بَعْدَ الْمُعَمَّرِ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ ‏,‏ أَوْ لأَِنْسَانٍ آخَرَ غَيْرَ نَفْسِهِ ‏:‏ نَفَذَ ذَلِكَ كَمَا جَعَلَهُ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الْعُمْرَى ‏:‏ هِبَةٌ صَحِيحَةٌ إذَا أَعْمَرَهَا لَهُ وَلِعَقِبِهِ ‏,‏

فأما إنْ لَمْ يَقُلْ ‏:‏ لَهُ وَلِعَقِبِهِ ‏,‏ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُعَمِّرِ ‏,‏ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ الْمُعَمِّرُ وَهُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏,‏ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ‏,‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ ‏,‏ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الْعُمْرَى رَاجِعَةٌ إلَى الْمُعَمِّرِ ‏,‏ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ‏,‏ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ أَعْمَرْتُكَ هَذَا بِشَيْءٍ لَك وَلِعَقِبِك ‏:‏ كَانَتْ كَذَلِكَ ‏,‏ فَإِذَا انْقَرَضَ الْمُعَمِّرُ وَعَقِبُهُ ‏:‏ رَجَعَتْ إلَى الْمُعَمِّرِ ‏,‏ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ‏,‏ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ‏,‏ وَاللَّيْثِ

قال أبو محمد ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ مَالِكٍ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا‏}‏ قَالُوا ‏:‏ فَكَانَ كَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَادَّعُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ‏"‏ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَعْمُرُ بَنِي أَخِيهَا حَيَاتَهُمْ ‏,‏ فَإِذَا انْقَرَضَ أَحَدُهُمْ قَبَضَتْ مَسْكَنَهُ ‏,‏ فَوِرْثنَا نَحْنُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْيَوْمَ عَنْهَا ‏,‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلاً ‏,‏ وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏:‏ أَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، فَبَاطِلٌ ‏,‏ وَهَذِهِ آفَةُ الْمُرْسَلِ ‏,‏ وَاَلَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ ‏,‏ وَأَبَاهُ الْقَاسِمَ ‏,‏ وَجَدَّهُ مُحَمَّدًا ‏,‏ لَمْ يَرِثُوا عَائِشَةَ ‏,‏ وَلاَ صَارَ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ عَنْهَا قِيمَةُ خَرْدَلَةٍ ‏;‏ لأََنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ فِي حَيَاتِهَا قَبْلَ مَوْتِهَا بِنَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةً ‏,‏ وَإِنَّمَا وَرِثَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ ‏;‏ لأََنَّهُ كَانَ ابْنَ شَقِيقِهَا ‏,‏ فَحَجَبَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ ‏,‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي ‏"‏ بَابِ هِبَةِ الْمُشَاعِ ‏"‏ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَوْرَاقٍ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهَا لَكَانَ قَدْ خَالَفَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ ‏,‏ وَجَابِرٌ ‏,‏ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ‏,‏ وَعَلِيُّ بْن أَبِي طَالِبٍ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا آنِفًا‏.‏

وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ فَخَبَرٌ فَاسِدٌ ‏;‏ لأََنَّهُ إمَّا عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ هَالِكٌ

وَأَمَّا مُرْسَلٌ ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهُ ‏;‏ لأََنَّهُمْ يُبْطِلُونَ مِنْ شُرُوطِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ شَرْطٍ ‏:‏ كَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيلَهُ إلَى يَوْمَيْنِ‏.‏ وَكَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا‏.‏ وَكَمَنْ بَاعَ بِخِيَارٍ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً‏.‏ وَكَمَنْ نَكَحَ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ هِيَ عَلَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ‏.‏ فَكَيْفَ وَهَذَا الشَّرْطُ يَعْنِي رُجُوعَ الْعُمْرَى إلَى الْمُعَمِّرِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ ‏:‏ شَرْطٌ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ نَصًّا بِإِبْطَالِهِ ‏,‏ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتِجَاجُهُمْ بِالآيَةِ هَاهُنَا أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنْ التَّوْفِيقِ لِوُجُوهٍ ‏:‏

أَوَّلُهَا أَنَّهُمْ قَاسُوا حُكْمَ النَّاسِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ وَهَذَا بَاطِلٌ ‏;‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْتُلُ النَّاسَ ، وَلاَ مَلاَمَةَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَيُجِيعُهُمْ ‏,‏ وَيُعَذِّبُهُمْ بِالْمَرَضِ ‏,‏ وَلاَ مَلاَمَةَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ قِيَاسُ الْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ‏.‏ وَثَانِيهَا أَنَّهُمْ مَوَّهُوا وَقَلَبُوا لَنَا الآيَةَ ‏,‏ لأََنَّنَا لَمْ نُنَازِعْهُمْ فِيمَنْ أَعْمَرَ آخَرَ مَالاً لَهُ وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْمَرْتُكُمْ الأَرْضَ إنَّمَا قَالَ ‏:‏ إنَّهُ اسْتَعْمَرْنَا فِيهَا ‏,‏ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَمَّرَنَا بِالْبَقَاءِ فِيهَا مُدَّةً ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْعُمْرَى فِي وِرْدٍ وَلاَ صَدَرٍ‏.‏ وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَوْ جَعَلْنَاهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ ‏,‏ لَكَانَ ذَلِكَ أَوْضَحَ مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِلاَ شَكٍّ أَبَاحَ لَنَا بَيْعَ مَا مَلَكْنَا مِنْ الأَرْضِ ‏,‏ وَجَعَلَهَا لِوَرَثَتِنَا بَعْدَنَا ‏,‏ وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا فِي الْعُمْرَى لاَ قَوْلُهُمْ ‏,‏ فَظَهَرَ فَسَادُ مَا يَأْتُونَ بِهِ عَلاَنِيَةً ‏,‏ وَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ يَقِينًا ‏,‏ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ كُلَّ مَا صَحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ‏,‏ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ‏,‏ وَمُرْسَلاَتٍ كَثِيرَةٍ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ ‏:‏ إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ هِيَ لَك وَلِعَقِبِك ‏,‏

فأما إذَا قَالَ ‏:‏ هِيَ لَك مَا عِشْتَ ‏,‏ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ لَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّ الْمُسْنَدَ مِنْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ

وَأَمَّا بَاقِي لَفْظِ الْخَبَرِ فَمِنْ كَلاَمِ جَابِرٍ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَالَفَ جَابِرًا هَاهُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ عُمَرَ ‏,‏ وَغَيْرُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ حُكْمُ الْعُمْرَى إذَا قَالَ الْمُعَمِّرُ ‏:‏ ‏"‏ هِيَ لَك وَلِعَقِبِك ‏"‏ فَقَطْ وَبَقِيَ حُكْمُهُ إذَا لَمْ يَقُلْ هَذَا الْكَلاَمُ لاَ ذِكْرَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ ‏,‏ فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا ‏,‏ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا ‏:‏ فَ

وَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لَهُ بَتْلَةٌ‏)‏ ، وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْطٌ ، وَلاَ ثُنْيَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ ‏:‏ لأََنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ ‏,‏ فَقَطَعَتْ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيُّ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏"‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ يَرِثُهَا مَنْ يَرِثُهُ مِنْ عَقِبِهِ‏)‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدٍ ، هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏لاَ عُمْرَى فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ‏)‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِثْلَهُ مُرْسَلاً‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيِّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ ‏:‏ قَرَأْت عَلَى مَعْقِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لِمُعْمَرِهِ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ ، وَلاَ تُرْقِبُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ هَكَذَا رُوِّينَاهُ بِضَمِّ الْمِيم الْأُولَى مِنْ ‏"‏ مُعْمَرٍ ‏"‏ وَفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏لاَ تُرْقِبُوا ، وَلاَ تَعْمُرُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ‏)‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ ‏"‏ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ ‏(‏الْعُمْرَى لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى لِمَنْ أُرْقِبَهَا وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ‏)‏‏.‏ فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ ‏,‏ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ إِلاَّ فِي الْإِعْمَارِ وَالْإِرْقَابِ كَمَا جَاءَ النَّصُّ‏.‏

وَأَمَّا الْإِسْكَانُ فَيُخْرِجُهُ مَتَى شَاءَ ‏;‏ لأََنَّهَا عِدَّةٌ فِيمَا لَمْ يُجْزِهِ مِنْ السُّكْنَى بَعْدُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏